السحر وعقوبته في الشريعة الإسلامية والمملكة العربية السعودية

مقدمه:-
السحر عالم عجيب تختلط فيه الحقيقة بالخرافة والعلم بالشعوذة والدوافع والبواعث والغايات والمقاصد .
عالم ظاهره يفتن قلوب البسطاء ويخدع السذج والرعاع وباطنه قذر عفن ، يتجافى عنه أولو الألباب وينأى عنه أصحاب الفطر السليمة والقلوب المستنيرة .
تاريخه أسود قاتم مليء بالخدع الشيطانية ، وحاضره وسع كل بلاد العالم ، حقيقته ثابتة بالكتاب والسنة ، دافعه نفسي مصتبغ بحب الشر والرغبة في إيذاء الآخرين وتدميرهم والسيطرة عليهم .
اشتهرت به بابل قال تعالى ( يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ) وعظمته فارس ، وتناقلته الهند والصين واعتقد به الأغارقة واليونانيون وتعلق به اليهود والنصارى وعرفته العرب ، وبلغ فيه قدماء مصر مبلغاً عظيما قال تعالى في معرض أخباره عن قصة نبي الله موسى عليه السلام مع السحرة ( قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ).
تعريف السحر :-
عرفه ابن قدامة المقدسي بأنه"عزائم ورقى وعقد تؤثر في الأبدان والقلوب فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه "
يختلف عن الكهانة والعرافة في أنها تعاطي الأخبار عن الحوادث الخفية الغائبة بإدعاء معرفة الأسرار ، ومطالعة علم الغيب بمساعدة الشياطين أو الضرب بالحصى أو الخط على الأرض أو التنجيم أو قراءة الكف والفنجان أو الفال وزجر الطير ونحو ذلك وليس لها تأثير على الموجودين بخلاف السحر الذي ما يهدف غالباً لتحقيق تأثيرات مرضية وغيرها .
ويختلف عن الشعوذة في أنها احتيال وإظهار للشيء على غير حقيقته بالاعتماد على خداع الحواس وتزيين الباطل لإيهام الناس بأنه حق ومن ذلك ما يقوم به المشعوذ من سل سيفه وطعن مساعده في بطنه ليخرج من ظهره ملوثاً بالدماء ومع ذلك يظل المطعون حياً ، وسر ذلك أن المشعوذ قد البس مساعده حزاماً تحت ملابسه ملفوفاً إلى نصفه بماسورة معدنية على شكل نصف دائرة مفتوحة بداخلها فقاعة مملوءة بمادة سائلة تشبه الدم ، ثم يأتي ويضع سن السيف متجهاً نحو بطن مساعده فيخترق الحزام مارا بالماسورة ويخرج من نهايتها عند ظهره ملوثاً بتلك المادة .
كما يختلف عن الطلاسم في أنها عمل يقوم به الساحر بمساعدة الشيطان أو بناء على أمره على الورق أو القماش أو المعدن أو الخشب أو المعجون كالشمع أو الطين بشكل مخصوص وفي وقت مخصوص وبحجم وصورة معينة لضرر نفر أو أكثر في شخصه أو ملكه وتحوي الطلاسم رسوماً وكلمات ونقوشاً ورموزاً مكتوبة أو محفورة وكلها في غاية الدقة والصعوبة بحيث يصعب على الشخص العادي فهمها أو حلها وتأخذ حكم السحر أن ثبت تأثيرها وضررها وحصل الاعتقاد فيها وإلا فلا.
أنواع السحر وتأثيراته :-
1-سحر التفريق الأكثر شيوعا بين الناس والغالب استخدامه من قبل السحرة على مر الأزمان ، يقول الله تعالى ( فَيَتَعَلّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلّمُونَ مَا يَضُرّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ).
2- سحر الربط وهو أخذ الرجل عن زوجته فلا يستطيع أن يجامعها و يُعَد من أشد أنواع الإيذاء .
3- سحر الجوارح (المرض ) وفيه تتوجه أوامر السحر لإصابة الإنسان بمرض معين أو أمراض متنقلة أو امراض متعددة ، جاء في بعض طرق حديث سحر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه ابن سعد في الطبقات من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرض وأخذ عن النساء والطعام والشراب).
4- سحر الخوف وفيه إذا استحوذ الشيطان على المسحور يجعله يخاف من كل شيء ، فيستوحش المكان الذي هو فيه ، ويخاف من الموت ، وقد يخوفه من أقرب وأحب الناس إليه ، ويوسوس له حتى ليظن أنه مراقب من كل الناس .
5- سحر الفشـل واليأس والفقـر وفيه يكون المسحور فاشلا في دراسته وأعماله وزواجه فاشلا في علاقته مع الناس، يائسا من الحياة .
6- سحر الجنــون وفيه إذا تمركز واستقر شيطان السحر بمخ الإنسان فإن الله قد يمكنه من التعرف على خلايا المخ ووظائفها واستخدامها ، فإن كان الإنسان لا يفيق أبدا بل دائم الشرود والذهول والنسيان والعصيان فهو اقتران جزئي دائم ، أما في الاقتران الكلى الدائم فتظهر الروح متقمصة وممثلة شخصية الهبل والخبل والجنون .. وقد يكون خادم السحر المقترن بالمسحور من طبعه الخبل وضعف الذاكرة ، ومن مكونات شخصيته أنه مجنون، وإن كان تسلط الشيطان على عقل المسحور متقطعا ؛ بأن يفيق ويعقل ويفهم ويتعامل الإنسان بشكل طبيعي أحيانا ويغيب أحيانا فهذا اقتران طاريْ .
7- سحر تعطيــل الزواج ( الوقف )وفي هذه الحالة يقوم خادم السحر بعمل أي شيء من شأنه عرقلة الزواج،حيث أنه يقوم بالتشكل وعمل الأقنعة القبيحة على وجه الخاطب حتى تراه المخطوبة في أقبح صورة أو أن يجعل الخاطب يرى من المخطوبة ما يكره من شكل أو تصرف أو يوسوس لهما بعدم التكافؤ بينها ، أو يوسوس للفتاة بطريقة أو بأخرى بأنها ليست بكرا فتخاف من الفضيحة وترفض الزواج .
8 - سحر المحبة ( التـولة ) أخرج أبي داود وأحمد من حديث عبدالله ابن مسعود أنه قال:" سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ " ، والسبب في عمل هذا النوع من السحر أنه ربما تجد المرأة من زوجها شيئا من الصدود ، فتذهب إلى ساحر ليعمل لها عملا يجعل زوجها خاتما بإصبعها فيرسل عليه من الشياطين الكفرة من يتلبسه ويصدنه عن الصلاة والذكر ، ولا تعلم هذه المرأة أنها تخسر أخرتها من أجل دنياها .
9-سحر التهيـج وفيه يهيج قلب المسحور فيغدوا شديد الوَلَهُ بالغير من الشباب والشابات دائمْ القلق والعناء فارغ الفؤاد ،منشغل الفكر بمن يعشق ويهوى ، شَغله الوجد والاشتياق ، يرى طيف من يحب ماثلا في مخيلته ، ويظن أنه يلحظه ويتحدث إليه ويزداد عليه القلق والاضطراب حتى يصل به الهيام إلى البكاء المرير والوقوع في الرذيلة .
ما يلزم الشخص ليصبح ساحراً:
1- أن يكون عابداً للشيطان بائعاً نفسه وكل ما يملك له قال تعالى ( وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) .
2- معادياً لجميع الأديان والكتب السماوية جاهداً في حرقها وتمزيقها وأهانتها ومن ذلك كتابته كلام الله عز وجل بالنجاسات كدم الحيض ونحوه.
3- منغمساً في الفواحش والرذائل واقعاً في الموبقات يذبح الطيور والحيوانات ذاكراً عليها اسم الشيطان متقرباً بها إليه ، وقد يكون متظاهراً بالصلاح والتقوى للتغرير بالناس.
4- مثالاً للقذارة والوساخة ودناءة النفس حتى يكتسب جسمه وملبسه ومسكنه رائحة عفنة .
حكم السحر:-
السحر محرم في الإسلام قال تعالى ( وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) ، وقال صلى الله عليه وسلم "اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هن يا رسول الله قال الشرك بالله والسحر.." ، وقال صلى الله عليه وسلم "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " ، وقال صلى الله عليه وسلم " من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بكما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " ، وقال صلى الله عليه وسلم " من أقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد " ، وقال صلى الله عليه وسلم "ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن عقد عقدة ..."
عقوبة الساحر:-
عقوبة الساحر القتل لا فرق بين رجل وامرأة ، سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة عن حكم السحر فأجابت بأنه " إذا أتى الساحر في سحره بمكفر قتل لردته حداً وإن ثبت أنه قتل بسحره نفساً معصومة قتل قصاصاً ، وان لم يأت في سحره بمكفر ولم يقتل نفساً ففي قتله بسحره خلاف ، والصحيح أنه يقتل حداً لردته وهذا قول أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل رحمهم الله لكفره بسحره مطلقاً لدلالة الآية الكريمة ( وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ )على كفر الساحر مطلقاً ، ولما ثبت عن جندب أنه صلى الله عليه وسلم قال "حد الساحر ضربة بالسيف " ولما ثبت في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة أنه قال كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه " أن اقتلوا كل ساحر وساحرة فقتلنا ثلاث سواحر " ، ولما صح عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها " أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها ".
و يعاقب ساحر أهل الكتاب ( النصراني واليهودي ) ولا يقتل ما لم يقتل أحد بسحره وهو ما رآه جمهور الفقهاء ( الإمام أحمد ومالك والشافعي) وخالفهم في ذلك الإمام أبوحنيفة وقال بقتله .
ويقتل الساحر دون استتابة لأن الصحابة لم يستتيبوا السحرة الذين حكموا بقتلهم وهو ما ذهب إليه الإمام أبي حنيفة والشافعي وفي رواية عن الإمام أحمد وخالفهم في ذلك الشافعي والإمام أحمد في رواية أخرى فرأيا بأن الساحر أن تاب قبلت توبته وسقط الحد عنه لأن ذنبه ليس بأعظم من الشرك والمشرك يستتاب ولأن الساحر لو كان كافراً فأسلم صح إسلامه وتوبته وهو الأظهر.
ولا يجوز ذهاب المسحور للساحر لحل ما أصابه من سحر بسحر وهو ما يسمى " النشرة " ، وقد أكدت على ذلك اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بقولها " لا يجوز ذلك والأصل فيه ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بسنده عن جابر رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال " هي من عمل الشيطان " ، وفي الأدوية والأدعية الشرعية ما فيه كفاية فإن الله ما أنزل داءً إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتداوي ونهى عن التداوي بالمحرم فقال صلى الله عليه وسلم " تداووا ولا تتداووا بحرام " وروى عنه رضي الله عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم " إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام" .
وعلى ذلك فيأخذ حكم من مارس النشرة حكم الساحر فيقتل حداً لما في ذلك من معاونة للساحر و إقرار له على عمله وتقرب للشيطان بأنواع القرب ليبطل عمله عن المسحور ، مالم يرى القاضي درء الحد عنه لما روي عن سعيد بن المسيب من جواز ذلك وهو رأي شاذ يخالفه الإجماع المنعقد على حرمة حل السحر بالسحر .
المراجع :
1- حقيقة السحر وحكمه وكيفية مباشرة قضاياه للدكتور ابراهيم عطيف
2- عالم السحر والشعوذة للدكتور عمر سليمان الأشقر .
3- لقط المرجان في علاج العين والسحر والجان .